كوديا الشخصية السومرية التي تتمتع بالحكمة والحلم والإرادة الناجحة لدولة ( لكش) ، هو ثاني ملوك السلالة السومرية الثانية ( 2164 ـ 2111 ق.م ) التي حكمت ( لكش ) ، وحكمه من ( 2144 ـ 2124 ق.م ) ودام خمس عشرة سنة ، أمير ( باتسي ) هكذا كان يرغب أو هكذا أوحت له حكمته وسياسته بأن لا يغيض ( الكوتيين ) المحتلين الذين سيطروا على بلاد سومر ، حتى يظفر بنوع من الاستقلال وفعلا تركوه وشأنه شبه مستقل في دولة ( لكش ) أو هو آثر ان يتبع سيرة حكام السلالة الأولى الذين لقبوا أنفسهم بالأمير ( باتسي ) ، لقد ولد عن طريق طقس الزواج المقدس ، هذا الطقس الذي يتم بين كاهنة من الدرجة العليا تقوم فيه بتمثيل دور آلهة الخصوبة وبين كاهن يقوم بتمثيل دور إله الخصب .
التفت ( كوديا ) إلى مدينة لكش وعمرها وحولها إلى مركز حضاري لا ينافس ، حيث بث فيها القصور والمعابد والمرافق ذات النفع العام ، وكل هذه الأماكن البارزة في المدينة ملئت بنتاجات فنية وعلى الأخص بتماثيله ، فالعدد المعروض الآن في أشهر متاحف العالم ( متحف اللوفر ) هي تزيد على ثلاثين تمثالا تتطاول مع فنون العالم القديم والحديث ،وهي تمثل أروع الأعمال العراقية في تلك الفترة حيث تمتلك اسلوبا متفردا يتكأ على ضفاف الواقعية في العهد السومري الحديث ، إنها تؤلف كيانا واضحا أكثر تأثيرا من أي نحت مجسم في تلك الفترة ، وكان هذا العمل الرائع بأمر شخصي من الأمير ( كوديا ) وفي مدينة ( لكش ) بالذات .
إن العصر السومري الحديث يفتخر بانجازه العمارة إلى جانب منحوتات مدينة ( لكش ) التي سيطرت على المنطقة برمتها بل على القرن كله ، لذا يبقى تاريخ الفن مدين لهذا الرجل الحكيم المسالم الذي شجع الفنون والآداب ورعاها رعاية مباشرة ، كما يفتخر متحف اللوفر باحتوائه على مجموعة كوديا الجميلة التي يمتلكها ، هذه النتاجات التي انجزت بشكل جميل على حجر ( الديورايت ) وحجر ( الدولرايت ) وهما ذات صلابة غير اعتيادية ، وقد فضل كوديا هذا الحجر على ( اللازورد ) واستورد الكثير من مدينة ( مكّان ) وهذا وصف ذكرهفي كتاباته عن هذا الحجر يوضح اعجابه الكبير بنوعيته حيث قال : (( إن هذا التمثال ليس مصنوعا من معدن ثمين ولا من حجر ( اللازورد ) ولا من النحاس ولا من الزنك وليس من البرونز ، لا يستطيع أحد تثمينه ، إنه من حجر ( الديورايت ) )) ( الأمير كوديا ـ د. فوز رشيد ) .
لقد واجه النحاتون السومريون صلابة هذه الأحجار التي تظهر تحديها لهم وهم لم يجربوها سابقا ، لذا أبدوا شجاعة وقوة ومهارة باخضاعها إلى أزاميلهم ومطارقهم ، يدفعهم إخلاصهم وحماسهم إلى أميرهم الذي يحمل صفات الألوهية لأنه جاء من ثمرة الزواج المقدس ، لذلك خرجت هذه التماثيل وهي تمتلك قوة روحية تعبدية ووقار ملكي ، لقد صمم هؤلاء المبدعون السومريون أن يصلوا بتماثيل كوديا إلى هذه الميزات وخاصة التعبد الروحي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق